فاز زهران مامداني في انتخابات نيويورك بفارق كبير، متحديًا حملة ضخمة من اللوبي المؤيد لإسرائيل حاولت تصويره كمتطرف بسبب دعمه الصريح لحقوق الفلسطينيين. ولفت الكاتب رنجان سولونون إلى أن الناخبون في منطقته أكدوا دعمهم لسياسة ترتكز على المساواة والعدالة السكنية والتضامن عبر خطوط الدين والعرق، ما جعل فوزه علامة على إمكانية تغيير السياسة المبنية على الخوف. ويثير هذا الفوز تساؤلًا جوهريًا للصهاينة الذين يحددون هويتهم من خلال عداء الآخر: إذا نجحت السياسة المدنية العلمانية المتعددة في الغرب، فلماذا لا تنمو في الأرض التي ولدت فيها الأديان الثلاثة؟

 

يشير ميدل إيست مونيتور إلى أن الصهيونية اعتمدت عقودًا على وهم أن الأمن اليهودي يتطلب هيمنة دائمة. وقد حول اليمين الإسرائيلي، ممثلًا اليوم في حزب الليكود وشركائه المتطرفين، هذا الوهم إلى سياسة: توسع المستوطنات، العقاب الجماعي، وتقديس التفوق الديني تحت شعار الأمن. ومع ذلك، حذرت هانا آرندت عام 1948 من أن القومية المبنية على الخوف بدل العدالة "تنتج في النهاية اللاأمن الذي تسعى لتجنبه". وتكشف الأزمة الحالية، والانحدار الاقتصادي، والاستقطاب الداخلي، والإفلاس الأخلاقي للاحتلال المستمر عن حركة تبتلع أسسها.

 

يُظهر صعود سياسيين مثل ممداني، إلى جانب أصوات يهودية في الشتات مثل نعومي كلاين وإيلان بابيه وبيتر بينارت، انتعاشًا لليهودية خارج الصهيونية. ويعني التحضير لما يُسمى بـ"انهيار الصهيونية" ليس تمني دمار اليهود، بل تجديدهم كمواطنين في دولة علمانية يعيشون جنبًا إلى جنب مع المسلمين والمسيحيين بحقوق متساوية وأمن مشترك.

 

يعرض فوز ممداني ثلاث دروس سياسية أخلاقية مهمة: أولًا، الدعاية القائمة على الخوف لها حدود؛ فقد حاول خصومه تشويه صورته باعتباره معاديًا للسامية لمجرد مطالبه بوقف إطلاق النار في غزة، لكن الناخبين اختاروا أجندته المتعلقة بتخفيف الإيجارات، الرعاية الصحية، والكرامة الإنسانية. ثانيًا، القيادة متعددة الأبعاد لا تقوم على رمزية الهوية بل على وضوح أخلاقي، إذ أكد ممداني أن الأمن يجب أن يكون شاملًا لا قبليًا، متأثرًا بأخلاقيات فرانون وسعيد. ثالثًا، السياسة القائمة على العدالة المادية هي العلاج الوحيد للتعصب الإثني والديني؛ حين تتحقق الاحتياجات الأساسية للناس، تفقد الديماغوجية فعاليتها.

 

يقترح الكاتب أن إطار الدولة الواحدة العلمانية والديمقراطية يجب أن يقوم على المساواة الدستورية، بدءًا بالمواطنة المتساوية لكل ساكن من نهر الأردن حتى البحر المتوسط دون تمييز عرقي أو ديني، مرورًا بتقاسم السلطة وحماية الأقليات، ونظام قضائي مستقل، وآليات لاسترداد الأراضي والتعويض عن اللاجئين الفلسطينيين والنازحين داخليًا، وإصلاح القطاع الأمني، وعدالة انتقالية، وإعادة بناء اقتصادي، وتعزيز التعددية الثقافية واللغوية.

 

ويؤكد سولومون ضرورة اتخاذ خطوات إنسانية عاجلة لإنشاء فضاء للحوار، مثل وقف إطلاق النار الدائم، رفع الحصار عن غزة، وإنهاء بناء المستوطنات. يلي ذلك تشكيل جمعية تأسيسية تضم ممثلين من المجتمع المدني الإسرائيلي والفلسطيني، وجماعات نسائية، ومجالس محلية، وزعماء دينيين، ويهود الشتات لصياغة دستور علماني تحت إشراف دولي، يضمن إعلان حقوق الإنسان العالمي كأساس قانوني.

 

يقترح الكاتب جدولًا مرحليًا للتنفيذ: السنة الأولى: وقف إطلاق النار والاعتراف بالمساواة؛ السنتان الثانية والثالثة: حكومة انتقالية وإطار أمني مشترك؛ السنة الرابعة: استفتاء دستوري وأول انتخابات ديمقراطية؛ السنوات الخامسة حتى العاشرة: إعادة الإعمار، والتعويضات، ودمج المواطنة الكاملة. ويشير إلى أن هذه العملية ستكون معقدة، مع محاولات متطرفة لإفشالها عبر العنف، ما يستدعي ضمانات دولية من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والدول المحايدة.

 

ويخلص سولومون إلى أن جوهر التحول يكمن في "إنهاء الكراهية". فقد بنيت الهوية الصهيونية على أعداء أبديين، واستُغلّت ذكرى الهولوكوست وروايات دينية لتبرير الغزو. ويؤكد أن الكراهية، كما تثبت التجارب التاريخية، أساس ضعيف لأي أمة، ويستنزف الشرعية الأخلاقية ويعزل الظالم. وتوضح الاستجابة العالمية للعنف الإسرائيلي أن بداية النهاية لهذه الكراهية بدأت.

 

يعلمنا فوز ممداني أن الهوية المبنية على التضامن تستطيع أن تتغلب على الهوية المبنية على الخوف. ويظهر أن الدولة الواحدة القائمة على المساواة، حيث يعيش اليهود والمسلمون والمسيحيون جنبًا إلى جنب، لم تعد مجرد حلم، بل الطريق الوحيد المتوافق مع العدالة والواقع الديمغرافي، ليعيش الجميع بحرية دون هيمنة أو تفوق.

 

https://www.middleeastmonitor.com/20251107-from-mamdanis-victory-to-the-future-of-zionism-lessons-for-a-one-state-of-equals/